من تجليات قيم التسامح الديني في المجتمع العراقي الأب الدكتور. بطرس حداد (25/11/1937-26/11/2010) وآثاره العلمية انموذجاً.

الملخص

إن النظرة إلى الوحدة الوطنية من خلال تعدد الأديان والطوائف ، مثلما تنظر إلى الوحدة القومية من خلال تعدد الأقطار، فكلتا الظاهرتين تمدانا بالقوة لمواجهة التهديدات الخارجية. تتعايش بالعراق أديان ومذاهب عديدة ، متقاربة تارة ومتنافرة تارة أخرى ، فحافظ الجميع على وجودهم بقدر مايسمح به التجاور على بقعة جغرافية واحدة. وعاش المسيحيون على ارض النهرين منذ آلاف السنين ، وخلفوا فيها ارثاً حضارياً وشواهد تاريخية اشارت إلى أصالة وعمق جذورهم، فأحبوا هذا البلد واخلصوا له قولاً وفعلا وقدموا التضحيات في سبيله عاشت الثقافة المسيحية عبر عصور التاريخ جنباً إلى جنب مع الثقافة الإسلامية متجاوزتين النظرة الاثنية والدينية ، مع احتفاظ كل منها بخصوصيتها وأدواتها في العمل والإنتاج ، وهو ما ولد تجانساً في القاعدة الاجتماعية وشراكة بين فئات التنوع الأخرى . ضمن هذا السياق، يُعد الراحل الأب الدكتور بطرس حداد(1937-2010)، من بين آخر المؤرخين المتخصصين بتاريخ المسيحية في العراق في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو بعمله تابع عمل وتقاليد مؤرخين تخصصوا في مجاله. وهو من بين أبرز المهتمين بالفلسفة وكان يؤمن بالتسامح بين الأديان مؤكداً أن التعصب "أول الخطوات الخطرة التي تؤدي إلى الحروب الطائفية والنزاعات". وهو ينتمي إلى جيل عراقي اشتهر بنشاطه وفاعليته في العقود الأخيرة من القرن العشرين. ويعد الرجل واحداً من المثقفين العراقيين الذين خدموا العراق وتاريخه ومجتمعه خدمة مثالية. عاش ومات وهو يحمل بيديه مشعل محبة وزهور سلام، وأسدى للمكتبة العربية العدد الكبير من الأعمال المهمة التي يحتاجها العراقيون لفهم جوانب أساسية من تاريخهم ومجتمعهم وتراثهم.. كما كان الرجل داعية للألفة والتسامح.. وكان مترجما بارعا لعدد مهم من الأعمال التي احكم صنع تعريبها والتعليق عليها بحكم تمكنه من عدة لغات.. وتميّز أيضا بمنهجه سواء في دراسة اللاهوت الكنسي أو دراسة التاريخ المحلي وإثراء جوانب مهمة يحتاجها المؤرخون، وخصوصا تلك التي تتعلق بتاريخ العراق الحديث. ، وخصوصا في تحقيقاته التي لم يسبقه إليها أحد من المؤرخين العراقيين.