البلاغة العربية المهاد المعرفي والامتداد العلمي الواصف حتّى نهاية القرن الخامس الهجري

المؤلفون

  • محمود شاكر محمود
  • عدنان حسين عبدالله

الملخص

بدأت قبسات الظواهر البلاغية بالإلتماع في ثنايا الأقاويل البشرية ؛ عندما انتقل الإنسان بلغته من منطقة الحقيقة إلى رحاب المجاز ؛ ليحدث خرقاً في صفرية اللغة اليومية ومستواها المعجمي الصلد ، وينتهك قواعدها المنطقية وسننها المعيارية المتواطئ عليها ، وتكون هذه النقلة بملكة فطرية نابعة من حاجة ذوقية لدى صناع الكلام في تفكيك هذا النظام وإعادة تشكيله من خلال ملكة البلاغة الفطرية لديهم ، والتي تنتج أقوالاً مغايرة للغة اليومية السطحية المأشوبة والمحدودة في أفقها المعنوي ؛ لتنقل الملكة البلاغية هذه الأقاويل اليومية وتعيد انتاجها في أقوال فعّالة مؤثرة ، تنتقل من سكونية الحقيقة إلى حركية المجاز بسعة آفاقه الدلالية ، فتنتظم الأقوال الإنشائية ضمن هذه الآلة البلاغية الصناعية في أنساق من أفانين الكلم نابضة بموسيقى متناغمة متدفقة تأسر النفوس وتسحر الألباب ؛ فتكون هذه الأقاويل مفارقة للسائد من الكلام وتحمل في ثناياها طاقة تأثيرية تجذب السامع لها وتستهويه وتدفعه إلى فعل شيء واعتقاده أو الامتناع عن فعله واعتقاده مع إمتاعه وإقناعه بكفاءة تداولية ، تحمل مقاصد صانع هذه الأقاويل ومنتجها بملكته البلاغية التي تعيد إنتاج الخطاب وتصوغه ، وتستمكن من قوانين اللغة في الاستعمال اليومي .

لهذا انتقلت هذه القبسات البلاغية من ملكة فطرية عرفية ؛ لتكون علماً واصفاً استقرائياً يرصد هذه الظواهر والصور ، ويحيط بحدودها ويستنبط قوانين متأتّية من منتج هذه الملكة البلاغية  الفطرية ، وتستكشف أنظمته وأنساقه ، وتبوّب صوره وأنماطه وتصنّف أجناسه ، فتستقصي في هذه الملكة البلاغية معناها الجامع لصور تقع في وجوه كثيرة ، بدءاً من التخييل والإيهام وصولاً إلى الحجج المقنعة المتوزّعة على سلّم الاحتمال ، فترصد بمجسّات العلم المنهجي الواصف مواطن هذه القبسات المضيئة في ثنايا القول مندفعة بسؤال منهجي مالذي يجعل بعض الأقوال أحسن من بعض ؟ ؛ لتتغيا بهذا السؤال مواطن أسرار البلاغة بأنساقها القولية الساحرة والآسرة للنفوس ، وتحيط بتخوم بحرها عميق الأغوار ، وتستخلص جواهرها النفيسة ؛ لينتقل العلم الواصف للملكة البلاغية وأسرارها ، إلى مشاريع علمية واعدة انبثقت من رحاب مجاز القرآن وتكلّلت باستقصاء بلاغة البيان الحجاجية الإقناعية ، وصور البديع بآفاقها الجمالية الإمتاعية ؛ لتأتي أكلها في استكشاف أسرار البلاغة ودلائل إعجازها القولي ، وسرّ فصاحتها وصحّة تناسبها في الأقوال التي تجري في السمع مجرى الألوان في الأبصار ؛ لتصل هذه المشاريع إلى غائيتها النهائية فتكتمل البلاغة وتنضج ويشتدّ عودها ، وتستقل كعلم منهجي واصف في منتصف القرن الخامس الهجري من خلال مشروعي الجرجاني والخفاجي ، ويصبح هذان المشروعان منطلقاً لما جاء بعــــدهما من مشــــاريع بلاغية مائزة عنـــد السكّاكي (ت 626هـ) وحازم القرطــــاجنّي (ت 684هـ ) .

التنزيلات

منشور

2025-03-01